-->

" الخبرة القاسية ونفور المجتمع العكسي "منى الصرّاف / العراق

 " الخبرة القاسية ونفور المجتمع العكسي "

عندما عجز رجال الدين في تحريك الشريان الرئيسي والمغذي للأنسانية ، تحول هذا الصراع الى أزمة في نفوس الشباب بعد أن كان قائما على اساس منفعة الانسان وعلاقة طردية في العطاء المتبادل بين الطرفين ، والطرفين هنا اما ان يكونا بين رجال الدين والانسان او بين الدين والانسان او بين الله والانسان .
أن التجارة المربحة بالدين او بأسم الله والعيش في ظل حكومات
( متأسلمة ) ما وجدوا فيها إلا الانحطاط او الفساد والتسلط وفقدان الحريات في كل نواحي الحياة ، جعلتهم في نفور عكسي من الدين وحتى من الذات الالهية . فالدين والله الذي اصبح مجرد سلوكيات نفعية بيد اصحاب القرار جعلت تداعياته كبيرة في نفوس الشباب وكذلك المجتمع لتظهر لدينا فئة ملحدة بالله او فئة اخرى تنكر الاديان وفئة غيرها لا تدري اين تقف بين هولاء . ولكي نلم بهكذا امور علينا اولا تعريف كل مصطلح حول الالحاد وانواعه . فالالحاد هو غياب الاعتقاد بأن الله موجود وقد تعددت مفاهيم الالحاد بين ملحدين عن قناعة وهولاء الذين ( يميلون باتجاة العلم ) والتشكيك .. خصوصا فيما يتعلق بعالم ما وراء الطبيعة واللامرئي واللاوجودي وبعض التفسيرات الخاطئة من قبل رجال الدين للظواهر الطبيعية ، وتحويل البعض من هذه الظواهر الى الغضب الالهي ! ليحرقوا عندها الاخضر واليابس ..بمعنى بين(؟ الصالح والطالح ) وجعلوا من الله كتلة من العواطف البشرية المتناقضة التي تتأثر بصغائر الامور .
( والسماء رفعها ووضع الميزان ) ، ( ولاتزر وازرة وزر اخرى ) . فظهر نوع اخر من الالحاد نتيجة الازمات النفسية المتتالية جعلت البعض يشعر بالغضب من الله في انه السبب في عدم بسط قدرته في العدالة الأجتماعية على الأرض ، وحين تاجرت بعض الفئات باسمه لتحقيق منفعة شخصية او ظهور عقائد تجرم الانسان بحجة او بأخرى ، لتنفيذ اجنداتها او جرائمها بحق البشرية ، لذلك كانت تداعيات هذا الأمور هو ظهور هذه الفئة التي اصبحت مقتنعة بان :
( لو كان الله موجودا ) لما حدث كل ذلك . فالشخص الذي مرّ بتجارب قاسية بين الموت والحياة وبمختلف انواعه ، وتجارب اخرى في العيش بظل مجتمع قاس لا يرحم الفقراء ولا تدخل الهي يذكر للحد من كم الظلم الذي عاش به البشر ، في حين يجد ان المفسدين والمحتالين والمجرمين ينعمون بهذه الحياة دونه هو الصالح . فهذا ( الغضب العاطفي ) يبدأ بالتكثيف والتراكم في اللاوعي لديه ليصل لدرجة القسوة على الدين والإله ليبدا بعدها مرحلة القناعة الذاتية ولكي يخرج نفسه من تلك الدوامة بنتيجة مفادها ..ان الله غير موجود .
وهناك ملحدون من نوع اخر هولاء الذين يفلسفون لأنفسهم التبريرات والتي تنوعت اعمالهم بين السرقة او ممارسة الاحتيال او الرذيلة للوصول لمصلحة مادية ، فهنا سيكون الالهة عقبة في تحقيق اهدافهم فيجدوا لهم مخرجا هو الالحاد ليشعر بعدها بالراحة النفسية . ولكن نجد هناك فئة كبيرة ملحدة وتلك الفئة جاء سبب الحادهم عن ( قناعة فكرية ) نشطت في اوربا وفي عصر النهضة وبسبب غضبها من الكنيسة ورفضها للخراب جملة وتفصيلا لتصل الى الله الذي اصبح ذريعة لكل ماهو ضررا بحق الانسانية ، لتستنتج بعدها نظريتها ( المادية الجدلية والتأريخية ) التي تبنت مبدأ ( الصدفة ) في نشأة الكون .
وفئة اخرى ظهرت في مجتمعاتنا ألا وهي فئة ( اللادينيين ) وهولاء لا يؤمنون بالاديان جميعها ، لانها ببساطة اي الاديان ما استطاعت ان تصل بالانسان الى الله ، بل اصبحت الاديان حجرة عثرة بطريق الأنسانية وبالتالي الى الله وفرقتهم شيعا وقبائل ( بالمعنى الاوسع لهذه الكلمة ) . وكل دين يكفر دين غيره ، ويجعل الجنة تحت اقدام اتباعه الصالحين دون غيرهم .
وفي هذا الاثناء ظهرت فئة اخرى اصبحت لا تدري اين تقف ، هل تقف مع الايمان ؟ او مع الالحاد ؟ هل الله موجود فعلا ؟ ام غير موجود ؟ هل هناك عالم اخر ام لا ؟ وهل هناك ثواب وعقاب ام هو مجرد افيون ؟ والذي يصلح في مكان يجدونه غير صالح بمكان آخر لذلك اصبح هولاء في تيه من امرهم . حتى شرائع الله اختلفت بين فئة واخرى وكتاب واخر . واخرون اقتنعوا تماما ان الايمان بالله او الديانات جاءت نتيجة تتطبع وليس نتيجة طباع ، فلا علاقة للدين بفطرة الانسان وحتى ذلك التطبع يتغير نتيجة الهزات العنيفة التي يصاب بها الأنسان خلال مراحل حياته .
وقد زاد الالحاد وتنوع في مجتمعاتنا اقول زاد لانه كان موجودا سابقا ومنذ القدم حتى في زمن الديانات الاولى ومن ضمنها الدين الاسلامي . ونلاحظ ان هذا الانقلاب على الدين ظهر بشكل اوسع في دول اوربا وروسيا بالذات ، وبعد الثورة الفرنسية اصبحت تلك الافكار نظام وقوانين دولة عاشت بعدها اوربا في العمل على بناء الانسان بمعزل عن الديانات والاعراق . ونجد لحد الان .. ان الاحصاءات الكبرى التي اجرتها مؤسسات معنية بذات الامر ان نسبة الملحدين واللادينيين في تلك المجتمعات كبيرة جدا .
ان الدول العربية المسلمة التي اتبعت نفس منهج الكنيسة النفعي والتكفيري وبالتالي شرعنت قتل مكفريها ، لتصبح بعد ذلك تداعياته كبيرة على المجتمع وهي الردة والنفور من اي شيء مقدس ليصل للذات الالهية . لكل فعل ردة فعل عكسي يساويه بالقوة ويعاكسه بالاتجاه .

منى الصرّاف / العراق

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: