-->

وطنٌ يصرخُ وجعاً بقلم ابراهيم الاعاجيبي

إبراهيم الأعاجيبي وطنٌ يصرخُ وجعاً
تاريخه الفاخر ، وحاضره الزاهر ، وإرثه الوافر لم يدروا عليه عيشاً رغيداً لينام ليلته شابعاً هانئاً ، تموج الأعاصير وتضطرب التيارات وتتلاحم الأمواج تلو الأمواج ، حضارته تتراقص في كل أرضه ، فهي منغرسةٌ في كل كيانه ، تارةً نراها في أقصى الشمال وتارةً في أقصى الجنوب وأخرى تترواح بينهما ، يشقه نهرين هما عصبُ الحياة فيه ولكنه ما زال عطشاناً ! فيا ترى هل إن النِفطَ أصبح مصدرُ جحيمه وسر تلاحم العالم الطامع بخيراته ؟ فلمَ كل هذا الوجع ! ولمَ كل هذا الأنين الذي لا ينقطع ولعله لن ينقطع أبدا ! يأتيه خيالٌ على صهوة جواده فحالما يترأس يبدأ الدمار والفساد ينهشان لحمه ، أيعقل أن يبقى الجرح يقطر دماً أم إن الأعداء سيضيفون عليه ملحاً ، لا يُعرف له ذنبٌ سوى إنه بلد الخير والنِعم في كل شيء ، لعل الخيرُ هو مصدر بلائه ! سبحانك يا رب أتكون النعم هي سبب الموت الذي يحيط به ويرافقه ما أشرقت شمسٌ وأضاء قمرٌ ، تسابق إخوته في بلوغ أعلى مراتب التطور ولكنه بقي كاسف البال ، مطرقاً ، لا يستطيع النهوض ، سبقوه وظفروا بالجائزة فعادوا إليه ليغيضوه ولكنهم وجدوه مبتسماً مهنئاً ، تعجب الجميع من إبتسامته ، فقال لهم إني سبقتكم في كل شيء لولا هذه السلاسل التي تحيط بي، فتعجبوا من تلك السلاسل الغليظة المربوطة برجليه ويديه ، لم يبخل عليهم بالتهنئة ولكنهم بخلوا عليه بعدم مد يد العون لفك هذه السلاسل وتضميد هذه الجروح التي نزفت عشرات السنين من جسمه ، مضى الجميع إلى داره ، وبقي يعالج هذه السلاسل مستعيناً بقوة عضلاته وعقليته في كيفية النجاة من هذه السلسلة الحديدية ، بقي يعالج ويعالج ويخطط حتى تمكن من فك إحدى يديه ورجليه ، نهض فرحاً بما أنجزه ، يأتي أبناؤه إليه ، يستنهض هممهم ليشفقوا على هذا الهمام الصنديد ، فتبادر الجميع يحل الوثاق ويشحذ همة أخيه ليحررا والدهم ، وبالفعل نهض الوالد متحرراً ولكنه وجد إن الأرض ليست هي الأرض ، والناس ليست هي الناس ، بدى غريباً لا يعرف أحداً فأخذ يسأل عن هذا وعن ذاك ، فأدرك إنه أمسى غريباً ، وهذا يحتم عليه إما أن يستلهم القوة ويواكب مسيرة الحياة ، وإما أن يبقى متعثراً يجر أذيال الخيبة تلو الخيبة ، ولكنه مضى بعزم الجبال وهممها التي لا تكل ولا تمل ، أسرع كالنمر فلحق الجميع ، فانذهلوا مما رأوا أيعقل أن يأتي هذا الوطن الجريح بهذه السرعة ! كيف وجراحاته باقي حتى الآن لم تندمل ! تنهدَ قليلاً وأخبرهم إن جراحاته هي التي ألهمته القوة وحفزته بالإسراع في التقدم حتى لحقت بكم ولعلي سأمضي وأمضي حتى أحقق لنفسي ولأبنائي بعض الهناء والسعادة التي فقدوها كثيراً في سنوات القهر والقحط .

شارك المقالة عبر:

اترك تعليقا: