(( المسيرة الأربعينية مهرجان السماء ))
من حق كل أمة و شعب أن يحتفل على طريقته الخاصة بإرثه الثقافي و الاجتماعي و الحضاري , و أن يستذكر رموزه التاريخية و خصوصا من لهم بصمة واضحة في مسيرة تلك الشعوب , بمهرجانات و احتفالات خاصة به .
ما يقوم به الشعب الأسباني في شوارع مدينة ( بونيول ) التابعة لإقليم فالينسيا , من مهرجان للتراشق بالطماطم , إلّا واحداً من تلك المهرجانات العامة التي يشارك فيها عشرات الآلاف من المحتفلين برشق بعضهم البعض بالطماطم مع تكدس اعداد منهم وسط شاحنات مليئة بالطماطم تقدر ب ( 130 ) طن , في خضم أزمة غذاء عالمي يتضور فيها جياع العالم في افريقيا و آسيا و حتى أوربا المهددة بأزمة غذاء بسبب حرب أوكرانيا , و في أسبانيا أيضاً في مدينة ( سان فيرمين ) يقام مهرجاناً خاصاً لمطاردة الثيران الهائجة في الشوارع , تيمناً و استذكاراً للقديس ( فيرمين ) الذي اشتهر برعايته للثيران , تطلق الثيران الهائجة كل عام في أيام ( 5 و 6 ) تموز يوليو , بشكل حر في شوارع المدينة , تسبقها اعداد من المشاركين بقمصانهم البيضاء وأوشحة حمراء حول رقابهم , لينتهي الاحتفال بعشرات الجرحى و الموتى بقرون و أرجل الثيران الهائجة . وفي دولة تايلند الآسيوية وفي محافظة ( لويوري ) حيث عبادة القرود , وفقاً لموروث ديني شعبي يحكي عن قصة القرد الملك ( هانومان ) الذي ساعد الأمير المقدس ( راما ) في انقاذ زوجته من براثن أحد الشياطين , لهذا يقام مهرجان ( مأدبة القرود ) في معبد ( فرا برانغ سام يوث ) خلال الأحد الأخير من نوفمبر تشرين الثاني , إذ يرتدي السكان المحليون أزياء القرود ويرقصون رقص القرود , و يطعمون أكثر من ( 500 ) قرد ما يقرب من طنين من اللحوم و الفاكهة و المثلجات . في عودة للقارة العجوز أوربا , وفي مهرجان يستهلك من الجعة ( البيرة ) ثمانية ملايين كوب كبيرة وبمعدل مليار يورو خلال اسبوعين من الاحتفالات المقامة في ( بافاريا ) وفي مدينة ميونخ الألمانية , يفتتح المهرجان بمطرقة تفتح بها براميل الجعة الكبيرة , لتنتقل أكواب الجعة المجانية لتتلقفها من النادلات سبعة ملايين يد مشارك في الاحتفال . و ما يقوم به الشعب الكوري الجنوبي في احدى مدنه من سباحة و مصارعة و لعب و تراشق في الطين في مهرجان خاص يطلق عليه مهرجان الطين .
إن دول العالم قاطبة بشعوبها تستمتع بمهرجاناتها و احتفالاتها دون تدخل من الآخرين وبدون انتقاد و انتقاص , ومن حقنا كشعب يمتلك إرثاً حضارياً لآلاف السنين قبل الميلاد , أن نفخر بأنبل و أكرم وأكبر و أضخم مسيرة شعبية حرة عرفتها البشرية , بكل اعتزاز و فخر وباسلوب يرقى بسمو صاحب المسيرة و بكل احترام تقام نشاطات تلك المسيرة المليونية العابرة للمذهبية والعنصرية و القومية , احتفاءً بذكرى أربعينية استشهاد أبي الأحرار حفيد رسول الإسلام محمد ( ص ) الإمام الحسين و أبنائه و عياله وأصحابه في سبيل اقامة العدل و المساواة و الحرية و رد المظالم عن المستضعفين في الأرض وقولته الخالدة بوجه طغاة الأرض اجمعين , لا للجور , لا للظلم , لا للفساد .
ما يميز مسيرة الأربعين التي تتعدى العشرين مليون زائر سنوياً وفي تزايد مستمر , ومن كل جنسيات العالم , باشتراك جميع الطوائف والمذاهب و الأديان المحبة للسلام , بما فيهم الأخوة من الديانة المسيحية و الصابئية وغيرها , السير لآلاف الكيلومترات تطوعاً بكل همة ونشاط و تقديس واحترام , بمشاركة المسن و الطفل و المرأة وحتى ذوي الاحتياجات الخاصة , بين خدّام للزائرين وبين زائرين , بلهفة للوصول للمرقد الشريف , تلك المسيرة العامرة بأكبر مائدة على طول مئات الكيلومترات عرفتها أمم العالم أجمع , احتراماً وتأكيداً للولاء و بيعة صاحب الدعوة الإمام الحسين عليه السلام الذي تغنى ببطولاته ثوار العالم الحر و زعمائه , وهذا قول للزعيم الهندوسي الثائر محرر الهند مهاتما غاندي ( تعلمنا من الحسين كيف نكون مظلومين حتى نحقق النصر ) , و تكلم الرئيس الأندنوسي أحمد سوكارنو عن الحسين ع قائلا ( كان الحسين راية خفاقة حملها كل من يريد أن يتحدى طواغيت زمانه الذين تنعموا بملذات الدنيا تاركين شعوبهم تعاني من القهر و الحرمان ) , و في مقولة للكاتب والروائي الأمريكي أرنست همنغواي كلمة ( إن الحزن الذي سببه مصرع الحسين ظل يلتهب في قلوب الناس المتنورين بسبب الفاجعة الأليمة التي اقترفتها تلك الزمر المتعطشة لدماء الأبرياء ) , وعندما سألت الثائرة الجزائرية جميلة بوحيرد الزعيم الصيني الشيوعي ماو تسي تونغ عن الثورة الصينية أجابها ( عندكم الدروس و جئتم تأخذون الدروس , انها ثورة الحسين ) بذلك نكتفي من ذكر أقوال رجالات التاريخ و ثواره و محرري شعوبهم التي امتلأت بها الكتب و صفحات الكوكل عن ثورة الحسين الخالدة .
ختاماً نقول بأنها بركات نورانية ربانية تجتمع في مسيرة واحدة تضم مختلف الأديان و الأطياف و المذاهب تدعو لنبذ الظلم و الجور ونهب خيرات الشعوب و الوقوف بوجه الظالمين ونصرة المظلومين , ومن حقنا أن نفخر بهذا الجمع المبارك المضيء على أرضنا .
اترك تعليقا:
