العزم الثابت ، ، و ، ،
اليقين المستبصر******
حيدركامل الأسدي
إذا هُدي المرء سبيله كانت السبل الأخرى في الحياة إما عداء له، وإما معارضة، وإما ردًّا، فهو منها في الأذى، أو في معنى الأذى، أو عُرْضة للأذى. لقد وجد الطريق ولكنه أصاب العقبات أيضًا، وهذه حالة لا يمضي فيها الموفق إلى غايته، إلا إذا أعانه الله بطبيعتين: أولاهما العزم الثابت، وهذا هو التوكل على الله؛ والأخرى اليقين المستبصر، وهذا هو الصبر على الأذى.ومتى عزم الإنسان ذلك العزم، وأيقن ذلك اليقين؛ تحولت العقبات التي تصده عن غايته، فآل معناها أن تكون زيادة في عزمه ويقينه، بعد أن وُضعن ليكُنَّ نقصًا منهما؛ فترجع العقبات بعد ذلك وإنها لوسائل تعين على الغاية. وبهذا يبسط المؤمن روحه على الطريق، فما بد أن يغلب على الطريق وما فيها, ينظر إلى الدنيا بنور الله فلا يجد الدنيا شيئًا -على سعتها وتناقضها- إلا سبيله وما حول سبيله، فهو ماضٍ قدمًا لا يترادّ ولا يفتُر ولا يكل، وهذه حقيقة العزم وحقيقة الصبر جميعًا.ومن ثم لا تكون الحياة لهذا المؤمن مهما تقلبت واختلفت, إلا نفاذًا من طريق واحدة دون التخبط في الطرق الأخرى، ثم لا يكون العمر مهما طال إلا مدة صبر في رأي المؤمن.وعزيمة النفاذ وعزيمة الصبر، هما الضوء الروحاني القوي، الذي يكتسح ظُلُمات النفس، مما يسميه الناس خمولًا ودَعَة وتهاونًا وغفلة وضجرًا ونحوها. إذاً كيف يُعان المؤمن على هذه المعجزة النفسية؟ هنا يتبين الإعجاز الاهي في الآية الكريمة ( وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا ۚ وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَىٰ مَا آذَيْتُمُونَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ) فقد ذكر فيها التوكل ثلاث مرات، وافتتحت به وختمت؛ والتوكل هو العزم الثابت كما أوضحنا. وذكرت في الآية بين ذلك هداية المرء سبيله؛ وهذه الإضافة {سُبُلَنَا} تعين أنها هداية الإنسان إلى سبيل نفسه؛ أي: سبيله الباطني الذي هو مناط سعادته في الشعور بالسعادة، ثم ذكر الصبر على أذى الناس، والأذى لا يقع إلا في حيوانية الإنسان، ولا يؤثر إلا فيها. فكأن الآية مصرحة أن نجاح المؤمن ونفاذه في الحياة لا يكونان أول الأشياء وآخرها إلا بثلاث: العزم الثابت، ثم العزم الثابت، ثم العزم الثابت, وأن الصبر ليس شيئًا يذكر، أو شيئًا يجدي، إن لم يكن صبرًا على أذى الحيوانية في أفظع وحشيتها؛ فالروح لا تؤذي الروح، ولكن الحيوان يؤذي الحيوان, وأن ما يقع من هذه الحيوانية فيسمى اعتداء من غيرك، ويسمى أذى لك، هو شيء ينبغي أن يجعله العزم فخرًا لقوة الاحتمال فيك، كما جعله البطش فخرًا للقدرة عند المعتدي.وبهذا يكون العزم قد فصل بين نفسك الروحية وبين شخصك الحيواني، ووهبك حقيقة الشعور، وصحح بمعاني روحيتك معاني حيوانيتك، وحينئذ ترى السعادة حق السعادة ما كان هداية لنفسك أو هداية بها، ولو انقلب في الشخص الحيواني منك أذًى وألمًا. ذلك صبر أولي العزم من الرسل.
اترك تعليقا:
